يجب وقف هجرة شبابنا قبل أن ندّق المسمار الاخير في نعش الوطن !!

أوشــانا نيســان

الهجرة أوترك الوطن من أصعب القرارات ومن أشدّها ألما في حياة الانسان. فمن منّا لا يشتاق ولا يحن لثرى وطن الاباء والاجداد؟ فلو لم يكن الوطن غالياً لهذه الدرجة لما سُمّي في التقليد الشرقي بالوطن الأم. حيث أن الوطن هو تماماً كالأم الحنون، فهي تحتضن أطفالها وتمنحهم الشعوربالأمان والسكينة رغم جسامة التحديات والصعوبات والمخاطر، ومهما هاجرالانسان من بلدانٍ حول العالم، فلن يجد أحنّ وأدفء من حضن وطنه مطلقا.
أكتب لكم عن معاناتي الحقيقية في الهجرة التي أستمرت لآكثر من ربع قرن متواصل في مملكة السويد. حيث قررت العودة بعدما ضاقت الحياة وأغلقت جميع أبواب المشاعر والاحاسيس بوجهي. رغم النجاح الوظيفي في العمل الاعلامي كرئيس تحريرجريدة لآكثر من 14 عام متواصل.  ولاسيما بعدما اشتدّ حبلُ الحنين على الرقبة وضاقَ عليه، ثم بدأت الكأبة تنهش بما تبقى من الشعور ومن الاحلام التي رسمتها في مخيلتي، وكأنها تعرضت فجأة لتسونامي الاعاصير والرياح العاتية.

ما دفعني إلى كتابة هذه الديباجة، هوتسليط الضوء على عذابات المهاجرين وتشظيهم بين وطنهم الأم وأوطانهم الجديدة في دول الشتات. صحيحٌ أنّ ظروفاً صعبة جداً مرّت ولايزال تمرّ على العراق الجديد مند عام 2003، حيث المئات شرّدوا وقتلوا وغرقوا في البحار باحثين عن بريق أمل في دول الشتات. ولكن علينا كمسيحيين في مهد المسيحية في الشرق عموما ومسيحي العراق تحديدا أن نعرف جيدا، أن كل المآسي التي نراها ونعيشها ونسمع بها ليست سوى تحدٍ لنا، بأن نستجمع قوانا وننهض بأمّتنا ووجودنا ولا نقبل بالتهميش والالغاء ونحن على ثرى الاباء والاجديد.
فالهجرة ليست الجنّة الموعودة كما تعتقد الاغلبية الساحقة من المهاجرين. حيث عندما يحالف الحّظ البعض من المهاجرين بالوصول الى بلدان الغرب يكتشفون واقعا مغايرا ، ومن ثم لا يجد بعضهم بدا غيرالتفكير بالعودة الى وطن الام.
هذا من جهة ومن الجهة الثانية، فأن تفاوت القيم وأليات الثقافات الوطنية يبدأ في الاختلاف بين الهوية والسلوك في الشرق والغرب. وهذه الهوية المتباينة تتحكم بآليات العقل الشرقي والغربي في السلوك والتعامل اليومي بأنتظام. حيث شاهدت الكثير من التائهين اللا منتمين إلى مكان، فهم يعيشون ويعملون في مكان ولكن اهتماماتهم في مكان آخر. ” أعرف أشخاصاً يسكنون في المهجر ولكنهم لا يقرأون حتى صحف ذلك البلد ولا يهتمون لأخباره أو تطورات، ولا يشاركون في الانتخابات ولا يعنيهم وطن الغربة إلا في حدوده الضيقة. حيث يعيشون في غيتو منعزل بين مكالماتهم الدولية وعملهم، وعدد محدود جداً من الأصدقاء، وقد يموت أحدهم في الغربة قبل أن يعود إلى موطنه الأم. والمضحك المبكي أنه لو حاول العودة إلى مسقط رأسه فلن يستطيع التأقلم والعيش هناك، وسيعود ليمارس حياته بالمراسلة كما كان يفعل سابقا. وحتى حين تعمد بعض الجاليات إلى تشكيل إطاراتها الاجتماعية والسياسية فإن مشاكل وآفات العمل الاجتماعي في الوطن الأم تصيب المؤسسات، وتنتقل سريعاً عدوى الديكتاتورية والفساد وغيرها من الأمراض إلى مؤسسات الجاليات مما يتسبب بانصراف الأجيال الجديدة عنها”، يكتب حسن على مرعي في صحيفة العربي الجديد بتاريخ 13 مارس 2019.مسؤولية الشباب المسيحي في العراق مسؤولية مضاعفة !!
بات الحديث عن هجرة مسيحيي العراق لدى الاكثرية من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري  بصورة ملفتة للنظر. حيث لا يخلوا مجلس أو لقاء من الحديث عن الهجرة، وشكل مشكلة مجتمعية يصعب ايقاف مسارها دون التفكير بفرامل أخرى قد تفلح يوما في فرملة مسيرة شبابنا أن لم نقل وقفها نهائيا قبل أن يبقى وجودنا في دمة الماضي. صحيح أن لهجرة المسيحيين من العراق أسباب ودوافع عديدة ومختلفة ولكن،
 تبقى مسيحية شعبنا تهمة أساسية في أجندة الفكرالارهابي والاقصائي لمعظم التيارات الاسلامية المتطرفة وأخرها تنظيم الدولة الاسلامية – داعش بعد أحتلاله لمدينة نينوى التاريخية بتاريخ 8 حزيران 2014.
صحيح أن الهجرة بمفهومها العام هي الهروب من واقع يُشَكِلُ عِبئاً على صاحبه، طبقا لتعريف البعض، ولكن يفترض بشبابنا ملاحظة التغييرات الجذرية التي طرأت وتطرأ على العالمين الغربي والشرقي على حد سواء. بحيث أصبحت مسألة ضمان حقوق الاقليات والمكونات العرقية والمذهبية الاخرى في العراق الجديد في طليعة الاولويات. ففي العراق المهدد حاليا، ” حقق المسيحيون العراقيون سابقا زيادة سكانية في القرن التاسع عشر وحتى مطلع القرن العشرين، وكانت هذه النسبة الاعلى منذ الحروب الصليبية”، يؤكد الباحث طارق متري في المؤتمر الذي نظمه المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات بتاريخ 14 سبتمبر 2014.
معلوم أن وضع مسيحيي العراق ليس بالمستوى المطلوب وباتوا أقلية مهددة وخائفة، لاسيما بعد  تصاعد الصراعات الفكرية وتنامي التيارات الاصولية والتطرف في العراق. ولكن يجب أيضا عدم الاستهانة بدعم جهود الاستجابة الدولية لبث الأمل في نفوس مسيحيي العراق، وعلى رأسها الزيارة التاريخية لغبطة البابا فرنسيس الى العراق بتاريخ 5 أذار 2021. حيث جاء قرار غبطة البابا في ” دعم وجود المسيحيين في مهد المسيحية في العراق، بالضد من أي دعوات أو ظروف تشجّعهم على الهجرة من البلد، وكذلك إثارة الانتباه المحلّي في العراق وفي العالم لأهمية هذه المجتمعات المسيحية، التي تُعَدّ الأقدم، ويرقى وجودها في العراق إلى السنوات المئة الأولى من ظهور المسيحية في العالم”، الهدف الروحي الرئيسي من وراء زيارته الاولى في التاريخ.

شاهد أيضاً

لا زلت أعيش ذكريات طفولتي (صباح بلندر)

اقترب اليوم عمري من سن الشيخوخة وأنا دائم التفكير كيف قضيت سنوات من عمري بدءاً …