من ذاكرتي عن السلف الصالح في بلدتي الموقرة عنكاوا (صباح پلندر)

من ذاكرتي عن السلف الصالح في بلدتي الموقرة عنكاوا

إهتز القلم بين أصابعي وإرتجفت يدي وأنا أخط تلك الملاحم التي شاهدتها وعاشرتها مع الأباء والأجداد العظام وكانت أحلى أيام حياتي التي عشتها بطفولة بريئة مع إخوتي أبناء محلتي الصغيرة عن أولئك السلف الصالح الذين تركوا لنا كنزاً من الأخلاق والثقافة والثقة بالنفس والقلوب الصافية ، فكلما وأنا أسير بين أزقة بلدتي الجميلة أتذكر العقول الكبيرة للمعلمين المحترمين الذين علموني قول الحق قبل أن يتفتح عقلي على الف باء الحياة عن العلم والمعرفة وعندما تقع عيناي على كنيستنا القديمة (كنيسة مار كوركيس) أتذكر نصائح وارشادات القساوسه الذين علمونا الإيمان القويم وعبادة وإطاعة وصايا الرب العلي القدير قبل إطاعة الوالدين والقناعة في لقمة العيش الكريم بما رزقنا الله ووهبنا من نعمه الوفيرة … عند زيارتي الأخيرة لمحلتنا تذكرت جيداً ممن إنتقلوا إلى الأخدار السماوية ببساطتهم المعهودة أمثال : العم عزو حلوة والعم شمعون مسو وصليوا متو والعم بيو خادم قبة مريم عذراء وعم حبي ششا بيده منشار وعلى اذنه قلم وعم يوسف پاشو مصلح باسكل والعم بويا هلو يبيع خضراوات ويلدا كاكزه ومتى سلمان وشمعون حندولا واخوته بولص وبطرس كيف كانوا يذبحون عصر كل يوم سبت إحدى البقرات على رأس بدء الدربونة(الزقاق) ليبيعون لحمها بأوزان مختلفة ،وعم يوسب سلمان صاحب جاييخا نا وكما اتذكر العم مسو هيلاني ولاب القس توما عظمت فهيم زمانه بلحيته البيضاء ونظارته السميكة وهو جالس في صدر داره وبيده مسبحة الصلاة وعلى صدره تدلى الصليب المقدس ومقابل بيته تماما كان بيت العم ييا(يلدا) صانع المعجون واللوزينة والقوصلغ (معجون محشي بالجوز) وتقاعد وهو فراش مدرسة، وعم رزوقي كان يصنع لوزينا ومعجون وعم شابو ننيي ودعم بويا حلاق وبولص اخ قس روفايل وهتي مري ام لاله لديهم دكان واتذكر شابو عظمت الذي كان ينصحنا بصوته الخافت الجميل الذي كان له الوقع الحسن في نفوسنا ويقول لنا اذهبوا يا أولادي الى بيوتكم وقد تعبتم من اللعب وأما العم يوسف مرقس فكان يبتسم عندما يمر من طرفنا ونحن الأطفال واما والدي بولص پلندر وهو متهيئ لأخراج المواشي من الدار لرعيها خارج البلدة ونحن فرحين بإلتفافنا حول الاغنام حين خروجها الى البيادر ونحن مع اصدقائي نمنعهم من الدخول الى بيوت الجيران وأما خلتو ماري واختها نعيمة أتذكرهم جيدا وبالأخص عندما كانوا يقومون بسلق الحنطة تمهيداً لعمل البرغل فتنادينا بأن نتعاون معهم بشرط أن لا نقترب من النار المشتعلة تحت القدر الأسود الكبير الذي فيه يتم سلق الحنطة … وعندما نستعد للخروج من الدربونة كنا نسمع صيحات عمو عيسى عظمت وهو ينادي العم بويا قاقوس ويقول (كوادان هاتن)… والعم هرمز نباتي وهو عائد من رش بيوت القرى المجاورة بمادة الـ دي تي دي والعم عيسى سيدا الحلاق الشعبي حيث كنا نجلس على طاولة خشبية في فناء داره ليحلق لنا شعر رأسنا، هكذا ببساطتنا المعهودة والجميلة ونحن أطفال صغار كنا نجتمع إلى عربة العم عزو حلوة ونحن ناكل أسبري وفي طريقنا نحوى منطقة عجمايا كنا نلتقي بالقس بهنام سياوش وعلى راسه شئشتا سوداء( كان غطاء الرأس يلبسه الكاهن) وبيده عصا يساعده على المشىء وينصحنا بصوته الجميل يشبه في رنته كدقات الناقوس تسري في نفوسنا كسريان الماء الزلال ليقول : ابتعدوا عن اللعب في الشارع ولا تضايقوا المارة وتجنبوا الاوساخ فهي تنقل لكم الأمراض… وعندما كنت أذهب مع رفاقي الى محلة الحسيني كنا نجد العم سلمان ويردينا واقف بجانب حصانه الجميل ذو الذيل الطويل وعلى كتفه بندقية برنو وإلى يسار داره كان يجلس العم صليوا مختر(مختار عنكاوا) وإلى جانبه المعلم القدير لوقا دميانوس وصولاً لدكان العم توما كورا الذي بدءها بصينية حلويات بسيطة متنقلا بها بين ازقة بلدتي إلى أن وفقه الله بدكان كبير ودكان العم مروكي ويردينا للقماش وكان في وقت ما متعهداً لنادي المعلمين والعم شمعون كوركيزة العامل في سايلواربيل بصفة كهربائي والعم شمعون مرَّقانا والعم يوسب خنزي ابو متي گليان والعم دنحا ابو استاذ جبار والخال بطرس معاون والخال حنا مجيلا گليانا والعم يوسب دحو وحنا وردينا حسيني وجايخانة العم صليوا إيشو صعوداً إلى مزار مار يوسف ، وعند اتجهنا نحو الجنوب وعلى يسار الفلكة كنا نشاهد العم عيسى وهب و أوسطة بويا وأخيه أوسطة شمعون وكانوا يشتغلون بقوالب النجارة في البناء وفي الجهة المقابلة من الساقية التي كانت تمر بين من شرق إلى غرب عنكاوا مارة بين البيوت ثلاث دور إحداها للعم صليوا بارجة(صليوا مروكي) وكان له فيها دكان وكنا نهرع مسرعين ومعنا قليل من النقود لنشتري منه بعض المفرقعات البسيطة (بشكْ بشكْ) لنستعملها عند حلول ليلة عيد الصليب والى يمين داره كانت جايخانة هرمز بارا وكان ابنه سيدا يعاونه فيها، وفي يساره دار العم شمعون ايليا عويد وهو الاخر كان له دكان وفي وقت ما كانت تباع فيها جريدة طريق الشعب والبيت الثالث كان للمعلم بويا سولاقا وإلى خلفه كان يقع دار الاخوين مرقس و توما (المكنى بـ توما وشتا) وهما كانا يعملان في صناعة الحصران ومنتسبان في البلدية لجمع القمامة على ظهر الحمار الذي كان يملكونه وكان مرقس مساء كل يوم يقوم بملئ الفوانيس المثبتة على جدران البيوت في عدة أماكن من أزقة عنكاوا بالنفط واشعالها لتنير الدروب ليلاً وكانها مصابيح السماء تضيئ الارض وخَلَفَهُ في هذا العمل العم حني كورا (حنا الياس حسيني) وهو الآخر كان عامل بلدية وعند دخول الكهرباء عنكاوا تم رفع الفوانيس من الحيطان وفي نفس المحلة وخاصة أيام الربيع كان العم سيدا توما عجمايا يأتي بأغنامه من البيادر الى مذود طويل يضع لها التبن ويخلط معه الشعير وكم كان منظر الجداء جميلاً عندما كانت تهرع لأمهاتها لترضع منها وعلى بعد قليل من المذود كانت شجرة توت كبيرة قائمة وفي ظلها يتم حلب الأغنام (أقيمت في مكانها عمارة سكنية ودكاكين) من قبل النساء واتذكر العم حنا مختار وكازينو العم بولص عطو وكان يديرها أولاده سليم واخوته…، كانت عنكاوا تنتهي من جهة الجنوب عند بيت العم بويا مختار وبويا حنو وبيتين للأخوين بولص وبطرس عطو وإلى جانبهما بيت توما كورا… أما في محلة درگا كم كان متفهماً معنا العم حنا شماشه وبكل سرور كان يقول لنا تعالوا يا اولادي خذوا ما تشاؤون ونحن ندخل دكانه لشراء اللقم او الحمص وبجانب الدكان كانت جايخانة العم كوكا يريخا (الطويل) وكان يديرها ابنه حبيب ونزولاً الى الأخير نصل لدكان العم هرمز عطو ودار العم شابو رزوقي صاحب الرزق الوفير ودكان توما باسه مقابل بيت خال نوري يونان وعند عودتنا كنا نجد في طريقنا عمو متي عظمت عائد من البستان وعلى كتفه ملاية (قطعة قماش كبيرة معقودة ) فيها البطيخ والترعوزي… كما أتذكر العم وليم الأثوري الانسان الطيب والخلوق سائق باص مصلحة نقل الركاب والعم بويا شبو جابي باص المصلحة حيث كان يساعد اكل بما أوتي من يده…. اما في محلة پلندر عندما كان يصبنا جرح نتيجة اللعب نذهب الى غرفه كانت تعود لعمو مرقس پلندر يساعدنا في تضميد جرحنا.كان بنايه بصف بيت عم صادقو واما عن حنا پلندر كان ينصحنا بعدم استعمال المصيدة لانها خطرة وقد تجرح الآخرين ونجد عمو عزو پلندرملقب بشيبا وهو متكئ امام داره وبيده قالون خشبي يضع فيه ما يلفه من تبغ السكاير ويقول لنا لا تقتلوا الطيور وعندما نذهب الى البيادر نجد العم الياس سياوش يطرق بالحديد ويصلح عربات التراكتور وأدوات الحراثة ومن خلف الدكان كان عمو سولاقا پلندر مشهور بسولاقا گره صاحب گرگلا والعم قنو بيده سبحة ويتمشى بين الزرع وعم إيلو حسير كانت له مزرعة وهي عبارة عن حفرة بسيطة وكبيرة يزرع فيها بعضاً من الخضراوات وعندما كنا نشاهد عن قرب معلمينا الذين علمونا العلم والتربية معاً كنا نختفي من هيبتهم الوقورة لانهم كانوا دائم النصح لنا بأن لللعب وقت والاهتمام بالواجبات البيتية والمدرسية والسعي وقت آخر ومع إننا كنا نستمع لنصائحهم إلاّ أننا كنا نحب اللعب والعربدة وكم كان جميلاً صوت العم سليكو الارمني وهو يصيح نفط نفط وحماره يجر بعربته فوقها برميل نفط وعدد قليل من العوائل الذين كانوا يشترون تنكه والباقي كان يكتفي بغالون أو لتر منه كما كان هناك العم يوسب ككي هو الاخر كان يبع النفط من على عربته…عند عودتنا كنا نلتقي بعم الياس نباتي ويقول عودا الى البيت تعبتم كثيرا وعند عودتنا نشاهد امهاتنا يقمن باحضار طعام بسيط إلى جانب حلب المواشي وقسم اخر كانوا يقومون بعمل سجاجيد والبعض الآخر لديهم كركلا (جنجر)لهرس سنابل الحنطة لما يقومون به من فرز التبن عن المحصول وبالاخص الحنطة والشعير …والعم مروكي مسو فلو عسكر وشابو گليانا وشابو نباتي ملقب بشابولي وعزو نباتي والعم حجي ئوسا يقومون بنصب الشباك أو نصب الفخاخ لصيد العصافير والحمام كما كان العم سيدا مْرّك هو الآخر يقوم بصيد العصافير وأمه العمة مْرّك كانت تخيط اللحاف للأهالي مقابل أجر بسيط وزد على ذلك كل من شابو گليانا ومسو فلو كانا مجّبري الكسور ويعالجون خلع الاطراف ولا ننسى عمو بلى وحنو ئاكو ومتي ئوپا بيدهم عودا ينتي عليها وعم مسو غريبو وعم ججى عسكر وشابا پرى واهل حلويا كانو يعملون في الحياكة واتذكر كوشك صغير للعم حنا عريف وهو واقف ينتظر لمجئ مشتري ويقابله من الطرف الآخر العم يوسب سلمان صاحب الجايخانة أما في يمينه كانت دكان العم متى نعمان وهو يصيح بأعلى صوته سنديي السلامييا هاااا سموق وحلويي (ركي السلامية أحمر وحلو)…في فترة الزواج كان المحتفلون يخرجون إلى الطرقات وأحدهم يغني والبقية خلفه يرددون ويصفقون وعند وصولهم لدار احد المتوفين الكل كان ياخذ الصمت ومعها الطبل والزورنا احتراما لتلك العائلة الحزينه(ذكرنا هذا في مقال سابق لنا) وعند اجتياز البيت يبدأون بالغناء مرة ثانية لحين وصولهم بيت العروس ليأخذونها معهم إلى دار العريس وكان وجهها مغطى بكفيه للدلالة بأنها العروس ولعدم وجود غرفه نوم خاص بالعرسان الجدد كانوا يأخذون من الغرفة الواحدة زاوية يفصلونها بشرشف كبير للعرسان الجدد(يسمى بكْنونِ) وفي الصباح تاتي ام العروس لتاخذ نتيجة الزواج وتجلب معها حلاوه والأكل واما الاحتفال كان يدوم سبعه ايام وفيها الأفراح مستمرة بوجود تعايش مشترك يستند إلى فهم واحترام الآخرين حيث كان الحوار والتفاهم المتبادل وسيلة لبناء جسور التواصل بين أفراد مجتمع عنكاوا المسالم …، كم كان جميلاً عندما يدق ناقوس الكنيسة دقاً متقطعاً إيذاناً بوفاة أحدهم ، أما دق الناقوس لحضور الصلاة فكان مختلفاً ويستمر في الدق وكم كان يوماً متميزاً عندما نشاهد عمو بهنان صقرا ينادي لوبيا لوبيا للفطور وكم كان حلواً عندما كان ينادي (كان يعمل كالمنادي أيضاً يقال له بالعامية كزّير) بأعلى صوته الله يرحم والديه لمن وجد شيئاً أضاعه صاحبه والكل يبحث جاداً لايجاده وإرجاعه لصاحبه ،كم كان من نهار رائع ونحن نذهب الى البيادر ونجد اكوام من الحنطة والشعير والعدس انتاج محلي ، اتذكر جيداً بقجد (حديقة) مينا كومتا بملئ اشجارها تزقزق فيها العصافير وهناك نلتقي بالقس بولص عبدوكا وسيكارته لم تفارق شفتيه والى الشرق من هذه الحديقة كانت غرغراوة وصعودا إلى صولجاغ (لا أعرف مصدر التسمية) ومن ثم مفتح أو كاريز ومن جهة الجنوب للحديقة كانت بستان ويردينا حسيني… ومن جهة شمال عنكاوا كان يقع دار العم حنو الحكيم المشهور في غزارة علمة كجراح شعبي في معالجة الكثير من الأمراض واخوته هرمز ومجيد كانوا يلقحون ابناء القرى المجاورة بلقاح الجدري …كما أتذكر الخوري روفائيل ومواعظه وارشاداته والقس سليم وغيرته على الايمان القويم منذ رسامته وكيف استقبلته جمع من ابناء عنكاوا بأهازيج ورقصات شعبية من نزوله من السيارة القادمة من الموصل قرب الناحية وإلى وصوله كنيسة مار كوركيس وأتذكر العم شعو جمعة وصوته الجهوري الذي كان يطرب سامعيه بعذب كلامه وهو يقرأ من رسالة بولس الرسول أثناء خدمته القداس مع الكاهن .ورعات شوان عمو زرو زوجته ئارموش وعم حتى وعم يوسپ صليبيا وابن العم يوسپ شيبا وعم بولوسا هذا غيض من فيض عما استرجعته من ذكرياتى واللحظات التي جمعتني وأنا أتذكرها من تاريخ السلف الصالح (أبائنا وأجدادنا) الذين إنتقلوا إلى العالم الآخر وهم مع القديسين والشهداء والصالحين الأبرار ليشفعوا لنا وقد عاصرناهم وكانوا ولا يزالوا كنز فخرنا وعزتنا ،علمونا معنى الإنسانية والاخلاص في العمل من اجل لقمة العيش الحلال ونحن مرتاحي البال وبقلوب صافية وفكر خدوم علمونا أن نكره الكذب والبغض والحقد وكل ما يسيئ للآخر، والعمر المديد مقروناً بالصحة والسلامة وحياة أفضل للخلف الباقي على قيد الحياة …، ليت الزمن الجميل يعود يوماً لنعيش معه ذكرياتنا الطيبة ،فكم فرحنا، وكم بكينا، وكم واجهتنا صعوبات اجتزناها معا، لكن علمنى ذلك الزمان ان الحياة ليست الا مجموعة صور محفورة في الذاكرة ،رحمه الله عليكم يا اطيب الطيبين اهلنا واحبابنا و جراحات الماضي لا تسكن الا في القلوب الطيبة ونحن لذكراكم الطيب مخلصين ولكن مهما مضينا من سنين سيبقي الموت هو الانين و ستبقي الذكريات قاموس تتردد عليه لمسات الوداع و الفراق … أرجو مخلصاً لكل من يتذكر شيئ من تلك الفترة وأنا لم اذكره أن يلفت نظري اليه وأكون ممتناً لتعاونكم والرب يحفظ الجميع اعتذر استعملت القاب كانوا معروفين فيها وحتى الان بقلم صباح پلندر 29/6/2023

شاهد أيضاً

بين الماضي المجيد والحاضر المبهم (صباح بلندر)

كان في زمن أجدادنا أراضٍ تُزرع وبعضٌ من خيراتها تُوزّع على المساكين والفقراء، وكانوا أهل …