كان في زمن أجدادنا أراضٍ تُزرع وبعضٌ من خيراتها تُوزّع على المساكين والفقراء، وكانوا أهل مدينتي البسيطة بطباعهم الجميلة وثقافتهم الحسنة يداً واحدة، لم يفكروا يوماً بأن المال أو المُلك يغير من طباعهم الجميلة رغم قصر يد الحال، ولم يكن لدى الأغلبية منهم مشاكل عائلية تذكر في الوقت الذي كانت الكنيسة برجالاتها الكرام مرجعاً للفصل بين المتخاصمين إذا ما حصل خلافٍ ما بين أبناء العائلة الواحدة، وكانوا جميعًا راضون بالحكم ويتقبلون النصح والإرشاد…أما القمار فلم يكن بتلك الدرجة التي نراها اليوم منتشرة بين أفراد مجتمعنا ومعهم من المجتمعات الأخرى ، ومن عادات النساء المحبوية لديهن هو اللعب بواسطة التراب ذو الملمس الناعم الذي لا يثير الغبار حيث إحداهن تضع قطعة معدنية صغيرة من النقود في كوم واحد من عدة أكوام على قدر اللاعبات، ويبدأن بالبحث واحدة تلو الأخرى ومن تعثر على القطعة المعدنية فهي صاحبة الحظ السعيد وتأخذ دورها في وضع القطعة بين كوم من الأكوام وهكذا فمن كانت تربح تربح القليل ومن كانت تخسر تخسر القليل وتنتهي اللعبة بمودة ومحبة… الرجال في مدينتي الكريمة كانوا مشغولين بتربية المواشي أو يعملون في الزراعة وفي المناسبات خاصة ليالي الشتاء الطويلة يلعبون لعبة المحيبس (اخفاء محبس) ، وإذا ما حصل مكروه لأحدهم (لا سامح الله) الكل كانوا يتعاونون معًا لمساعدته أو إيجاد حل لمشكلته وأما عن جبر الكسور لليد أو القدم أو حالة مرض، كان في مدينتي رجال أحكم من حكماء اليوم نتيجة خبرتهم أذكر منهم المرحوم (العم مسو فلو و العم حنو حكيم و العم شابو والعم كليانا،…)، أما الكراهية والحسد، فلم يكن لهما وجود بين أبناء بلدتي بفضل المعلمين الأجلاء وكان دورهم تثقيفيا وعلميا وإن كانوا يعاقبون أبناء جلدتهم حرصاً على مستقبلهم… كما كان هناك مقهيين أو ثلاث روادها على ألأكثر كانوا من أبناء المحلة الواحدة يلعبون الدومينة والدامة والطاولي وقد يتواجد فيها أيضا من يلعبون الورق للتسلية وهم يحتسون استكانات الشاي أو يلعبون على العلك والبعض منهم يقص حكايات عن الفلاحة أو ما شابه أو عن علاقاته مع البعض من أهالي القرى المجاورة أو عن المحصول لتلك السنة ولم ينشغلوا بقضايا الفساد والكل كان راض بقسمته ويشكرون الله على نعمه… ما نراه اليوم غير ما كنا عليه بالأمس القريب فذهبت تلك الأيام الجميلة واعطتنا العولمة نفساً غير ذلك الذي كان عليه أباءنا وسلفنا الصالح فشبابنا اليوم مع جل احتراماتي وتقديري لهم ملتهين بالقمار وقد خسر قسم منهم الكثير من أمواله وعلى أثره ترك أرض المحبة والآخاء وهاجر خوفاً من المديونية كما اعتادوا على شرب الخمر وارتياد لنوادٍ ليلية مشبوهة يصرفون فيها الكثير وهناك من أخذ لنفسه منحى آخر الا هو المخدرات واشبه ما تكون اللعب بالنار ، من كل ما سبق ازداد الجدال بين الرجل وزوجته فماتت المودة بينهما وبدء كل منهم يلقي اللوم على الآخر ونتيجة لهكذا علاقات مهزوزة زادت معها حالات الطلاق والخاسر الأكبر الاولاد … يوجد من الكلام الكثير ولكن أحسنه ما قل ودلّ ونحن نعيش اليوم في زمن العبودية للمال والجاه والسلطة على العكس مما كان يعيش عليه سلفنا الصالح .
شاهد أيضاً
الأمية وانعكاساتها السلبية على السلوك الاجتماعي
(الأمية) ظاهرة من ظواهر التخلف الاجتماعي؛ ومشكلة انتشارها في أي مجتمع تعتبر مشكلة مزمنة وشائكة …