هل نحن في مفترق الطرق؟ (تيري كنو بطرس)

تيري كنو بطرس
ظل التطلع الى الحرية والتمتع بالحقوق والاهم الحياة بأمان، محاور أساسية ودوافع لنمو الشعور القومي ‏الاشوري. ولم يكن هذا الشعور وليد لحظة او فقط امتثالا لما لاحظناه لدى الجيران او اطلعنا عليه من ‏تجارب الأمم، بل رغبة اصلية نابعة من الشعور بالظلم والاضطهاد الدائم، بسبب المعتقد الديني والانتماء ‏القومي. ان الشعور بالانتماء لحضارات عظيمة مثل الحضارة الاشورية وورثة لما حققته الفترة المسيحية، ‏كان دافعا قويا لتأصيل الشعور القومي والالتزام والعمل من اجل الحفاظ على ما ورثناه وعدم التنازل عنه، ‏بل محاولة ترسيخه وتجديده. ولذا فشعبنا وجيل بعد جيل حاول وقدم الكثير لأجل تحقيق اماله.‏
من خلال لقاءات محددة وحوارات عديدة، اكتشفت ان ما اعاني منه ليس مسألة فردية، بل تكاد تشمل كل ‏الاخوة والاخوات من ناقشتهم او حاورتهم او حاولت ان استشف ولو بوادر امل، لكي اروي عطشي الى ‏امل يكاد ان يفلت مني قبل ان تغمض عيناني وتنطفئ شعلة الحياة. فهلامية الوضع القائم حاليا وكونه عام ‏وليس خاص تأكدت من خلال هذه الحوارات في الوطن او المهجر ارض الانتشار، وبعض الخطوات ‏الإعلامية التي سمعنا عنها والمقتصرة على حالة سلبية واحدة، مثل الانقسام الحزبي في حزب معين، ‏لمعالجة الوضع ووضع حلول او مخارج لهذه الحالة، هي محاولة هروب أكثر مما هي وضع حلول ناجعة، ‏املا ان أكون مخطئ في ضني.‏
واخذ الأمور خارج اطارها الموضوعي، قد يكون خاطئ أيضا، لا بل قد يؤدي بنا الى اليأس التام، وهو ما ‏يجب ان نتفاداه بالبحث والنقاش وتدوير الزوايا للبحث عن مخارج، وهذا لا يعني عدم وضع الاصبع على ‏الجرح وتحديد مكامن الألم وان كان مؤلما، الا ان إيجاد مخارج لتحديد ذلك بات أكبر من ضروري. لأنه ‏لم يعد لدينا ما نخسره حقا.‏
العالم لا يسير نحو تغييرات، بل أنه دائما في حالة تغيير، العالم الان قد يكون مقدم على تغييرات كبرى ‏تشمل تغييرات دولية وإقليمية. وبدأت بوادرها في اجتياح أوكرانيا من قبل القوات الروسية، واشتعال ‏جبهات عديدة قبل ذلك او بعدها في افريقيا والشرق الأوسط كمقدمة لتمتين المواقع في حالة الاقدام على ‏المعركة الكبرى، ان قامت ولم يتراجع طرف من الأطراف ويقر بالتراجع مقابل مساومة ما. هنا ليس ‏شعبنا فقط في حالة هلامية، بل الوضع كله. فوطنيا وإقليميا، الكورد والعرب أيضا في تلك الحالة. الا ان ‏مظاهرها لا تبان لنا بوضوح، لكون سطوتهم قياسا بحالنا كبيرة وتشملنا في قوتها، لا بل قد نفرح في سرنا ‏من تلك الحالة ووقوعهم في خضم الازمات مما يمنح لنا متنفس المقارنة او الشماتة، الا ان كوننا قوة ‏ضعيفة في واقع هائج، يعني من الضروري ان ندرك ان أي تأثير سلبي وغير مسيطر عليه على العرب ‏والكورد، يعني اننا نذهب الى المجهول. وهنا لا ندخل الفرس والأتراك في الحسبان لكونهما قوتان ‏تتصارعان على الريادة وبالتالي لا يعيشان حالة هلامية ما الا قياسا بالقوى الكبرى. ‏
‏ في الشرق الاوسط تلعب إسرائيل وإيران دورا قياديا وتحاول تركيا كل جهدها ان تكون في الصورة. هذه ‏الصورة تقول لنا ان الوضع سيبقى على حاله بالنسبة لنا لأننا لن نقدر ان نغير او نعمل من اجل تغيير ‏موازين القوى الإقليمية او الوطنية، ويمكن ان نكود جزء من حالة حينما يتخذ أحد الأطراف، العربي او ‏الكوردي او الإيراني او التركي موقفا ويعتبرنا جزء من مخططه، نعم يعتبرنا جزء من مخططه، لأنه لم ‏يعد لنا تلك القوة التي يمكن ان تدعم أي طرف. او بالأحرى تمكنا وباقتدار عال من تفتيت قوانا وهدرها ‏في صراعات لا طائل من وراءها. قد يكون لنا امل ما في حالة تمكن المهجر الاشوري من وضع نفسه ‏كجزء من اللعبة وتمكن من ان يضغط على الطرف الأكثر حاجة والاقدر على منحنا جزء من مطالبنا، اذا ‏تمكن المهجر او الشتات الاشوري من الارتقاء بفكره السياسي وتعلم الواقعية السياسية. قد يكون الاستنتاج ‏أعلاه سوداوي جدا، ولكنه الأقرب الى الواقعية، على الأقل حسب ما اراه انا الان.‏
ولكن رغم هذه الصورة السوداوية، علينا البحث وفي الوطن عن طرق وأساليب جديدة او مبتكرة لوضع ‏حجر أساس لأمل واقعي يمكن ان يدعم شعبنا وتطلعاته.  وهذا قد يتطلب مواقف وتضحيات ليست كبيرة، ‏ولكنها بحسب القائمين بها قد تكون كذلك. ‏
من الواضح ان احزابنا القومية وبكل تسمياتها، لم تعد ذاك الفاعل المؤثر، ليس في الاحداث السياسية ‏المتعلقة بالوطن والمشاركة، بل لم تعد مؤثرة في شعبها، الا إذا كان التأثير سلبي وهو ما يمكن اثباته ‏بدلائل وممارسات قائمة وليست من الماضي. وهذا مرده في الغالب الى نتائج عمل هذه الأحزاب، التي لم ‏تتمكن من خلق اليات حوار ونقاش بينها وعلى مستويات متعددة، لكي يتم بناء تصور عام مشترك لما ‏نرمي اليه. فالتقوقع والانعزال عن أي عمل مشترك بقي السمة المشتركة وان حدثت لقاءات فإنها انتجت ‏بيانات تناساها الموقعون بمجرد جفاف الحبر الذي كتبت به. ‏
قد تكون الكنيسة ملاذا ما لصنع او لنقل تسويق القرار القومي، كما يقول بعض الاخوة، والظاهر ان ‏الكنيسة بدأت تستعيد بعض بريقها، وخصوصا ان هناك إنجازات تحسب لبعض الكنيسة وليس كل الكنيسة ‏ونشاطات تجذب منتمين ونشطاء بدون الاستعانة بالطبل والمزمار (اللازمة التي رافقت نشاطات بعض ‏احزابنا السياسية).  ولكن يبقى امر القرار السياسي او المطلب القومي، من واجب السياسي. والمؤسف ان ‏هذه السياسي قد يأتي حينما يتطلب الامر، وان لم تكن أحزاب شعبنا، من أبناء شعبنا ممن هم أعضاء ‏وكوادر في أحزاب ضمت أبناء شعبنا في مختلف المراحل، مثل كوادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني ‏او بعض أعضاء الحزب الشيوعي او متحالفين مع التيارات الإسلامية كما هو جاري في تحالف البابليون. ‏طبعا من حق أبناء شعبنا الانضمام الى الأحزاب العراقية بمختلف تسمياتها، فالأمر بالأول والأخير هو ‏تعبير عن موقف سياسي، وكيفية تحقيق المصالح القومية. ولنؤكد هنا اننا لسنا دولة، نحن اقلية قومية في ‏إطار وطن تتحكم به أطراف (قومية ودينية أخرى) وبالتالي فان مفهوم الخيانة القومية لا يعد قائما. وحتى ‏ان كان البعض يراه صعبا، ولكن الممارسات العملية تلغي الحواجز التي كانت تقف عائقا امام عبورها. من ‏هنا باعتقادي يجب البحث عن بديل قادر ومتمكن لكي يكون الساعي الرسمي لصياغة مطالبنا القومية ولا ‏بأس هنا من قيام هذه الطرف باستشارة الكنيسة وبعض المتنفذين ممن ينتمون لأحزاب أخرى. الفكرة ‏ليست مكتملة كليا، ولكن باعتقادي لنحاول جميعنا تطويرها.‏
‏ وبالرغم من ضرورة التعددية الحزبية في تطوير البرامج وصياغة المطالب قومية، الا ان ما وصلت اليه ‏الأمور من واقع حزبي مبتذل، حيث صار يمكن التلاعب بالأحزاب الباحثة عن لقمة العيش، من خلال ‏التهديد بقطع ماسورة المساعدات والدعم تحولت الضرورة الى ضرر بالغ. ان حزبا (او أي تشكيل اخر) ‏واحدا متعدد الاجنحة يحاول ان يلملم اجنحة الامة ويصمت عن حروب لم تأتينا منها الا الخسائر ‏والجروح الدامية، بات امرا أكثر من ضروري، كما ان الساحة السياسية لشعبنا لم تعد حقا تستوعب ‏ضرورة هذه التعددية.‏
لم ادخل في تفاصيل كثيرة، لان اغلب التفاصيل تحتاج الى حوار مباشر، من قبل المختصين والمسؤولين ‏الأساسيين في العمل القومي، الحوار المباشر والهادئ، واحيانا المؤلم ولكن ان قال بين أناس في جلسة ‏هادئة قد يحل إشكالات كثيرة. ‏
‏24 تموز 2024‏

شاهد أيضاً

رأي في موقف احزابنا القومية من انتخابات اقليم كوردستان

بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا الغاء المقاعد المخصصة للاقليات في برلمان اقليم كوردستان ومن ثم …