الله محبة ، ومحبته كبيرة ، يبحث عن الإنسان المتواضع الذي يتنازل ويعترف ليغفر له ذنوبه . والله دوماً ميتعد لإستقبال أبناءه الضالين الطالبين منه الرحمة والمغفرة ، والله المحب محبته تشمل كل الخليقة وخاصةً الإنسان الذي صنعه على شكله ومثاله ، فهو مستعد لكي يحضن كل تائب ، وبتوبة الإنسان يحصل فرح في السماء ، والله يعطيه محبة مجانية ، فهو يحب لا لكي يتكامل ، بل ليُكمِل . وليس لكي يتحقق ، إنما لكي يحقق . فالله يحبنا لأنه الخير والمحبة ، ويريد أن يفيض بما يملك إلى الإنسان الضعيف ، والله أيضاص يبحث عن مجده . إلا أن مجده هو الإنسان الحي . يقول القديس إيريناوس ( أن مجد الله هو الإنسان الحي ! ) .
نطالع في الفصل الخامس من الرسالة إلى أهل روما ، قال فيها بولس الرسول ( فلما نلنا البرّ بالإيمان نعمنا بالسلام مع الله بفضل ربنا يسوع المسيح ، وبفضله أيضاً بلغنا بالإيمان إلى هذه النعمة التي فيها نحن قائمون ، ونفخر بالرجاء لمجد الله .. ) ” رو 5: 2-5 ” . لهذا لا يجوز أن نقول إننا محبوبون من الله فحسب ، بل نقول ، أن محبة الله ( قد أفيضت في قلوبنا ) . الأمر لا يتوقف لنا على إستكشاف أصل المحبة أو مصدرها وتطورها ، فمجرد أن تعطى لنا بالروح القدس بعد المعمودية فمحبة الله تسكب علينا لتسكن بيننا وفينا لتكشف لنا أسراراً وتعطي لنا عطايا كثيرة . محبة الله تجسدت في الإنسان عندما تجسد الله في الإنسان ، فيسوع تجسد محبة الله ليفيضها بروحه القدوس في قلب كل إنسان معمد . إنه إحساس من الله تجاهنا بسبب محبته للإنسان . لهذا نقول ، من فيه المحبة ، فيه الله فيستطيع أن يشارك في الطبيعة الإلهية ( طالع 2 بط 4:1 ) . قديسين كثيرين شعروا بنار محبة الله في داخلهم والتي حصلوا عليها بالنعمة ، إنه عمل تبادل العطاء بين المؤمن الذي يفتح باب قلبهِ لله لكي يأتي إليه عن عمق تلك الأسرار , وهذا التبادل بين المخلوق وخالقه يأتي بسبب محاولة الإنسان المحب لله للتقرب منه فمن لإقترب عن الله ، فالله يقترب منه أكثر ويحيطه بمحبة لا توصف ويملأ قلبه من محبته الكبيرة .
لانستطيع نحن أن نفهم بعمق تلك المحبة إلا على ضوء كلام يسوع القائل للآب ( لتكن فيهم المحبة التي بها أحببتني ) ” يو 26:17 ” . أن المحبة التي أفيضت فينا هي تلك المحبة نفسها التي بها يحب الأب الإبن منذ الأزل . نحن أيضاً إخوة يسوع الذي مات من أجلنا . إنها ليست محبة مختلفة ، بل إنها طفح المحبة الإلهية من الثالوث المقدس إلينا . في العهد القديم أقام الله أنبياء ليتحدثوا بمحبة الله . وفي عهد الكنيسة الله أقام قديسين غبر العصور ليحدثوا لنا عن محبة الله التي إختبروها في مسيرة حياتهم الشاقة . فإستشفوا لنا شيئاً من تلك الحقيقة التي إختبروها والتي ما تزال خفية عنا .
لايتمكن أحد أن يقنعنا بأننا قد خلقنا بمحبة أفضل من القديسة كاترينة السيانية. في صلاتها الملتهبة التي وجهتهاإلى الثالوث الأقدس ، قالت ( أيها الآب الأزلي ، كيف إذاً خلقت خليقتك ؟ أنا منذ هلة جداً بهذا الأمر . فأرى بالفعل ، كما تظهرهُ لي ، إنك لم تصنعها لأي سبب آخر . إلا لأنك في نورك وجدت نفسك مضطراً بنار محبتك إلى أن تمنحنا الكيان ، رغم الآثام التي كنا سنقترفها ضدك : أيها الآب الأزلي فالنار إذاً هي التي أرغمتك؟ أيها المحبة التي لا توصف ، ولو إنك في نورك رأيت جميع الآثام التي سترتكبها خليقتك ضد صلاحك اللامتناهي ، فكنت تبدو وكأنك لا ترى شيئاً ، بل أوقفت نظرتك عند جمال خليقتك التي أغرمت بها مثل مجنون وسكران بالمحبة . وبالمحبة سحبتها خارجاً عنك ، ومنحتها أن تكون على صورتك ومثالك ، إنها لحقيقة الأزلية أظهرت لي هذه الحقيقة ، أعني أن المحبة أرغمتك على خلقها … فلا ينبغي لي إذاً أن أنظر خارجاً لأحصل على برهان على أن الله يحبني فأنا نفسي البرهان ، فكياني في ذاته هبة ، وإذ ننظر إلى ذاتنا في الإيمان ، يمكننا أن نقول : أنا موجود فأنا إذاً محبوب ! حقاً ، الوجود هو أن يكون المرء محبوباً ! ) . الله كان يرد على القديسين الذين يسألونه عن أسرار مبهمة بصوت باطني . ونحن مدينون لأولئك القديسين العظماء الذين سمعوا صوت الله ونقلوا لنا تلك الحقائق . فمطالعتنا لسيرة القديسين وإختباراتهم الروحية تقربنا من الله . وسيرة حياتهم الأرضية المبنية على قاعدة الإيمان هي الطريق الأقصر إلى الله ، فعلينا أن نقتدي بسيرتهم لنحصل نحن أيضاً على محبة الله . والقديس بولس خير مثال لما كشف الله لنا من أسرار الفردوس ، فكتب عنها قائلاص ( ما لم تره عين ، ولم تسمع به أذن ، ولا خطر على قلب إنسان ، ما أعده الله للذين يحبونه ) ” 1 قور 5:2 ” .
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) ” رو 16:1 “.