يا قلبي

بعدما صاح بصوت عالٍ ودافئ: “أين بلدتي؟ ومن يسكنها بعد رحيل مرير؟ هل ابتلعت أوراقها حبرها، ومن ثم كساها الغبار فلم يبقَ منها سوى طبقة مطلية مصفرة بعد فقدان ضلوعها وسعة صدور محبيها إلى ماضيها الجميل الذي خُطّ بيد أجدادنا العظام؟ ولو فقدت كل شيء، فلا أستطيع فقدان تلك الدرابين الضيقة التي كانت تمتلئ بأصوات الحيوانات، وبين حيطانها الطينية كانت زقزقة العصافير تأخذنا إلى عالم الموسيقى، لنشرب على أنغامها قدحًا من الشاي من أيدي أمهاتنا. كم كان جميلًا يا ناس، وكم كانت رائحة تراب بيتنا عندما نرشه بالماء تبعث لنا ما نتمناه اليوم. ليس بإمكاني الآن أن أنحت تلك الأسطر على مدخل مدينتي، ولكنها تسري في عروقي عندما أسجن نفسي في غرفة، وأمام ذلك الاستكان الفارغ الذي لم يبقَ فيه شيء سوى ترسبات من شاي يابسة ملتصقة، وليس بقدرتي إزالتها. فهل تهاونتُ في كل شيء دون أن تلتفت عيناي لرؤية ذلك الجرح العميق؟ أم أخذني الغرور لكي أنسى ما في مخلتي؟ نعم، إنها كلمات خطّها جرح، وأظن أنني سببت ذلك الألم لنفسي عندما أبحث عن شيء لا يمكن أن يعود. ليس ذنبي بل ما عشعش في صدري من غِلٍ لا يمكنني بلعه؛ كادت تقتلني. نعم، اختفى كل شيء. اختفى صوت أجدادنا، والرياح السوداء أخذت معها أصوات الحيوانات وزقزقة العصافير المجهولة، واندثرت تلك الدرابين، وسقط الجدار الطيني. على ماذا يبقى القلب والفكر يبحثان؟ على الأطلال أم على من يبكي على وشم كسته الشيخوخة؟ سأبذر قمحي على الطرقات، وأمسح التراب عن القبور، وأرسم بدله صليب الخلاص. ثم أعود إلى الدار كئيبًا، وأقلب في أوراقي لكي أجد ما ترك لي من الماضي، ثم أذهب إلى الألبوم العميق لأجد كيف كان شكلهم. لمن أشتكي همومي؟ على من لا يهمه ما يجري؟ أم إلى العشاق الذين فقدوا الحبيبة؟ أم إلى كلدان وسريان وآشور لم يتفقوا على تسمية؟ أم إلى رجال الدين المختلفين في الأديان؟ أفضل شيء هو أن أكتب، وأترك كتاباتي لأحفادي الذين قد يقلبون بعض الأحيان الأوراق القديمة بحثًا عن الورثة، فيجدون تاريخنا. بقلم صباح پلندر

شاهد أيضاً

الزواج ومعناه الصحيح

الشماس آندرو جما       إنَّ الزواج هو عهد أو رباط مشترك بين الرجل والمرأة، …