رائد نيسان حنا
في كلّ مرة يُفتح فيها بابٌ للأمل، تُعلن عن فرصة عمل حكومية، نتسارع لتقديم أوراقنا، ونُعلّق آمالنا على رقمٍ تسلسلي، أو نقطةٍ تُضاف إلى معدّل، أو حتى حظٍّ قد يأتي من قرعة. هذا هو حال آلاف الشباب العراقي اليوم، وهذا هو بالضبط ما مررتُ به عندما أُطلق رابط التقديم على عقود الـ 17000. قمتُ بتقديم استماراتي، حصلتُ على الختم والتدقيق من ديوان محافظة نينوى، ورغم مسيرتي التعليمية الطويلة التي تمتد من الابتدائية في التسعينات إلى المتوسطة في عام 2001، اضطررتُ للتقديم بشهادتي الابتدائية لعدم وجود خيار لشهادتي المتوسطة في الاستمارة. حصلت على 27 نقطة، وراودني أملٌ بسيطٌ بأن هذا الجهد سيُثمر.
لكن، كما هو الحال غالبًا في قصة البحث عن وظيفة في بلادنا، جاءت النتائج صادمة: “غير مرشح”, ووضعتُ في خانة “الاحتياط”. لم يكن هذا الإعلان مجرد رقم، بل كان رفضًا لسنوات من الانتظار، وشعورًا عميقًا بالظلم وعدم الإنصاف. لذا، لم يكن أمامي سوى تقديم الاعتراض، وهو نصٌّ يُلخص مرارة التجربة، ويُطالب بحقٍّ هو أساسي وقانوني.
نص الاعتراض: تفاصيل مريرة ومطالب مشروعة
إلى الأساتذة في لجنة العقود المحترمين،
بكل تقديري لحضرتكم، شعرتُ أنني تعرضت للظلم والرفض وعدم الإنصاف والاستبعاد عن الاستحقاق. إنني على استحقاق أن أكون ضمن العقود لتأدية خدمتي في الوظيفة، لكن النتيجة كانت “غير مرشح” ووضعتموني في خانة “الاحتياط”، وأنا غير راضٍ عن هذه النتيجة.
وللعلم:
• أنا شخص مسيحي، الوحيد من المتقدمين من قضاء شيخان، ومن المكونات الأصيلة لهذا البلد. ورغم أنني قدمت على قناة المكونات (الأقليات)، تم تحويلي إلى القناة العامة وهذا لا يجوز ولا أعرف السبب، مما أثار لدي تساؤلات جدية حول تطبيق معايير الانصاف للمكونات الأصيلة.
• من ناحية معدلي، وهو 80.83، أرى أنني على استحقاق للقبول، فهذا المعدل يعكس جهدًا وتحصيلًا علميًا.
• من جانب العمر، فقد وصلتُ إلى 43 سنة. ومن أبسط حقوقي أن أضمن استحقاقي وحقي في التعيين بعد كل هذه السنوات. هذا مطلب حق وقانوني، ويجب أن تُراعى ظروفي المعيشية الصعبة.
• أنا خريج الابتدائية لعام 1994-1995 من دراسة الصباحي/ حكومي، ولم أحصل على تعيين يناسبني طوال هذه الفترة. أرجو الإنصاف، وأن أضمن حقي واستحقاقي الذي هو مطلبٌ حقٌ وقانوني.
إضافة إلى ذلك، بالرغم من وصوله متأخرًا وتعميمه على مجالس المحافظات ، لم يُعمل به ويُفعل. صدر كتاب وموافقة من السيد رئيس مجلس الوزراء ورئيس المجلس الأعلى للشباب، بمنح الأولوية ونقاط مفاضلة في التعيينات والعقود للشباب ممن لديهم أعمال تطوعية. أرجو شمولي بهذا القرار، لكوني متطوعًا ولدي أعمال تطوعية لخدمة الأطفال النازحين، والنازحين في المخيمات والهياكل والقرى منذ أحداث عام 2014 وإلى يومنا هذا. لدي مشاركات موثقة بالصور والشهادات من منظمات إنسانية، وأنا أيضًا متطوع لخدمة الحالات المرضية والمحتاجين، ومسؤول فريق لمساعدة المحتاجين والمرضى. علاوة على ذلك، أنا ناشط في شبكة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، وقد مُنحت وسام وصفة “سفير السلام العالمي” لعام 2017 بتكريم من الشبكة. كما أنني متطوع بصفة كاتب في جريدة كلدانايا.
أرجو من جانبكم التكرم بتحويل هذا الظلم إلى انفراج وفرحة.
أملي فيكم كبير، مع الشكر والتقدير.
بالرغم من تقديم الاعتراض لم يتم قبوله وقد جاء رد مسؤول التدقيق على الاعتراض : بعد مراجعة اعتراضك ، تبين أن حالة الاستمارة مطابقة ، ولا يوجد أي تغيير في عملية الفرز أو حالة الاستمارة.
صرخةٌ تتجاوز الفرد
هذا الاعتراض ليس مجرد شكوى شخصية، بل هو صرخة تعكس واقعًا مريرًا يعيشه كثيرون. إنها صرخة تُلقي الضوء على:
• غياب العدالة في التوزيع: عندما يتم تحويل المتقدمين من قنوات المكونات الأصيلة إلى القناة العامة دون سبب واضح، فإن ذلك يشكك في جدية الالتزام بحقوق الأقليات، ويُفقد الثقة في الوعود التي تُطلق.
• تهميش الكفاءة والجهد: أن يكون المعدل الجيد وسنوات الدراسة الطويلة غير كافية لضمان فرصة عمل، ويُترك المصير للقرعة، هو إهدار للطاقات وتثبيط للعزائم.
• تجاهل الظروف الإنسانية: أن يتم تجاهل عامل العمر والظروف المعيشية الصعبة لخريج قضى شبابه في انتظار فرصة، هو قصور في النظرة الإنسانية لمفهوم التوظيف.
• عدم تفعيل معايير الإنجاز والتطوع: عندما لا تُمنح الأولوية للأعمال التطوعية التي تعكس حس المسؤولية الاجتماعية والوطنية، رغم وجود توجيهات عليا بذلك، فإن هذا يُفقد الشباب حافز العطاء والمشاركة الفعالة في بناء المجتمع.
نحو مستقبلٍ يستحقونه
إن الحق في التعيين ليس منةً، بل هو استحقاقٌ قانوني ووطني يكفله الدستور لجميع المواطنين على أساس الكفاءة والعدالة. إن تجاهل هذه الحقوق، خاصة لأبناء المكونات الأصيلة الذين تحملوا الكثير، هو تهميشٌ يهدد النسيج المجتمعي ويدفع بالشباب إلى اليأس أو الهجرة.
أين تتجلى هذه الحقوق التي تُنادى بها، خاصةً في مجال التعيينات؟ فكوني خريجًا جامعيًا أو متوسطة أو اعدادية من المكون المسيحي الأصيل، أُفاجأ بأن حقي في التعيين، وهو مطلبٌ حقٌ وقانونيٌ، يبدو بعيد المنال. تُفتح الأبواب، وتُعلن الفرص، لكنها غالبًا ما تكون خارج متناول يدنا، لتبقى الشهادات معلقةً على الجدران، والأحلام حبيسة الأدراج.
على الجهات المسؤولة أن تُدرك أن التعيينات ليست مجرد أرقام تُملأ، بل هي بناء لمستقبل الأفراد والأوطان. يجب أن تكون الشفافية والعدالة وتطبيق القانون على الجميع، دون استثناء، هي المبادئ الأساسية في كل عملية تعيين. فهل سيأتي اليوم الذي يرى فيه هؤلاء الخريجون، ومنهم أصحاب هذه القصة، أن حقوقهم قد أُعيدت لهم، وأن جهدهم وتضحياتهم قد قُدّرت أخيرًا؟ الأمل معلقٌ، والانتظار مُرٌّ، ولكن الحق سيبقى مطالبًا به.