القيامة ..اعلان لحقيقة الحياة (بيوس قاشا)

بقلم/ المونسنيور د. بيوس قاشا

تهنئة العيد
   أهنئكم بعيدَي الفصح والقيامة، وليرحم الربُّ الذين انتقلوا إلى مدينة الأحياء، وبالخصوص ضحايا تركيا وسوريا بسبب الزلزال، وليمنح جرحانا ومرضانا شفاءً… وأقول مع الجميع “المسيح قام … حقاً قام”.
   يقولُ مار بولس في رسالتِهِ إلى أهل كورنتس “إنْ لمْ تكنْ قيامةُ أمواتٍ فلا يكونُ المسيحُ قدْ قامَ! وإنْ لمْ يكنِ المسيحُ قدْ قامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وباطِلٌ أيضاً إيمانُكُمْ، ونوجَدُ نحنُ أيضاً شُهودَ زُورٍ للهِ، لأننا شَهِدْنا مِنْ جِهَةِ اللهِ أنهُ أقامَ المسيحَ وَهُوَ لمْ يُقِمْهُ، إِنْ كانَ الموتى لا يقومونَ. لأنه إنْ كانَ الموتى لا يقومونَ، فلا يكونُ المسيحُ قدْ قامَ. وإنْ لمْ يكُنِ المسيحُ قدْ قَامَ، فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أنتمْ بَعْدُ في خطاياكُمْ!” (كور13:15-17). فالقيامةُ علَّمَتْني أنْ أقولَ الحقيقة. فاليوم قام الحقيقةُ من دياجيرِ الظلام ليُعلِنَ للناسِ حبَّ اللهِ الآب للبشريةِ جمعاء.
فمنذ أنْ عرفتُ عِلْمَ الحياةِ وما يَعنيه في دنيا الزمن، وعرَّفَتْني الدنيا بمسيرتِها، لم أجدُ في منطقتِنا العربيةِ والشرقِ أوسطية فترةَ هدوءٍ وراحةَ بال. فالأهواءُ السياسيةُ كانت ولا زالت تقذِفُنا جميعاً من شاطئٍ إلى آخر، ولم نكن ندركُ – وحتى اليوم – شيئاً من هذه الأهدافِ والأهواءِ وما غايتها. بمعنى آخر أنَّ منطقَتَنا ووطنَنَا ومسيرةَ إيمانِنا مرّت ولا زالت تمرُّ في مراحِلَ صعبةٍ، وفي أغلبِ الأحيان يُصيبنا الإحباطُ وتعلو أصواتُ الهجرةِ، ولولا إيمانُنا بالمسيحِ الحيّ، كلمةُ الله الذي أنارَ الجالسين في الظلمة، كما يقول يوحنا الإنجيلي،ولولا شهادتُنا لتربتِنا لَمَا بَقِيَ مسيحي واحد إلا وهاجر من هذه الأرضِ الطيبةِ. فما نسمَعُهُ ليس إلا خطاباً مميتاً، طائفيةً وعشائريةً، حروباً مرعبةً ومخيفةً جَعَلَتْنا ضحايا وعبيداً لمصالِحَ سياسية وشخصية، ولمحاصصةٍ حزبية، للقاصي والداني، للغريبِ والقريب، للفسادِ والسرقة، وتفاقمت حتى أصبحنا تائهين في مجالِ الوجودِ والبقاءِ،  فمع المسيح الذي قام، لا يمكن أنْ نبقى صامتين وساكتين. فقد دحرجَ لنا الحجرَ لنقومَ معه، ونُعلِنَ أننا اليومَ نقفُ على مفترقِ طريقٍ مخيفٍ ملؤُهُ الضياع والخوف وأمام مواقف صعبةٍ ومؤلمةٍ، فالخطرُ يداهمنا من زوايا شتّى ومن أماكنَ متعدِّدة، وأيامُنا تعلن – شئنا أم أبينا – أنَّ العولمةَ غَزَتْ أفكارَنا، وستقودُنا إلى حيث لا نشاءْ، ولم تترك مجالاً لإعلانِ حقيقةِ وجودِنا، فبقينا خائفين، مُعلنين فَشَلَنا في سكوتِنا. وتكون الخاتمةُ مؤلمةً حقاً أمامَ أنفسِنا وأولادِنا وأجيالِنا. وخوفُنا أنْ نفقدَ روابطَ العائلة كما نرى في عالمِ اليوم 
مع المسيح الذي قام، لا يمكن أنْ نبقى صامتين وساكتين. فقد دحرجَ لنا الحجرَ لنقومَ معه، ونُعلِنَ أننا اليومَ نقفُ على مفترقِ طريقٍ مخيفٍ ملؤُهُ الضياع والخوف وأمام مواقف صعبةٍ ومؤلمةٍ، فالخطرُ يداهمنا من زوايا شتّى ومن أماكنَ متعدِّدة، وأيامُنا تعلن – شئنا أم أبينا – أنَّ العولمةَ غَزَتْ أفكارَنا، وستقودُنا إلى حيث لا نشاءْ، ولم تترك مجالاً لإعلانِ حقيقةِ وجودِنا، فبقينا خائفين، مُعلنين فَشَلَنا في سكوتِنا. وتكون الخاتمةُ مؤلمةً حقاً أمامَ أنفسِنا وأولادِنا وأجيالِنا. وخوفُنا أنْ نفقدَ روابطَ العائلة كما نرى في عالمِ اليوم.

وأيضاً، مَن منّا لا يقول أنَّ المسيحيينَ كانوا هم الأوائل في هذه البلدانِ الشرقِ أوسطية؟ ومَن منّا لا يقول أنَّ هذه البلاد كانت مهدَ المسيحية؟ ومَن منّا لا يقول أنَّ المسيحيةَ مكوِّنٌ أصيلٌ وقد سَبَقَتِ الشعوبَ والقبائِلَ في وجودِها وفي مسيرةِ حياتها؟ ولكن سَئِمْنا من هذا الكلام لكثرةِ تكرارِهِ، فالواقعُ والدستورُ وما يحصلُ يقولون غير ذلك، والحقيقة لا تكمن بالأقوالِ بل بالأفعال، إذ يقولُ مار يعقوب الرسول:”الإيمانُ بغيرِ الأعمالِ يكون في حدِّ ذاتِهِ ميتاً” (يعقوب14:2). نعم، الواقع ليس كذلك مطلقاً، وهذا يعني أنّ الحجرَ لا زال يعملُ في نفوسِنا، ويغلقُ أمامَ عيونِنا حقيقةَ زمانِنا في القيامةِ الأمينة ولحدّ اليوم، ومسيرةُ الحياة تُعلن وتقولُ لنا ذلك. فالقيامة جعلَتْنا أنْ نكونَ شهوداً على ذلك، وعلَّمَتْنا أن نقولَ الحقيقة. فاليوم الكثيرُ من المسيحيين لا يستطيعون التعبيرَ بحريةٍ عن إيمانِهِم وعَيْشِهِم في مجتمعاتِهِم وهم يكافحون من أجلِ البقاءِ والوجودِ والعيشِ بسلامٍ في أراضِيهم والسبب يرجع إلى إيماننا بقيامة الرب حيث تعلمنا أننا هنا لسنا للبكاء رغم الأيام الظلامية، كما نحن لسنا خرافاً بل نحن ضمير الدنيا وضمير الشرق. فمِحنَتُنا كبيرةُ الحجمِ والمأساة في هجرتِنا وحياتِنا، ومصير أولادنا وأجيالنا، فقد أجبرونا بشتّى الأساليبِ على فقدانِ الثقةِ بأرضِنا ووطنِنا. وما نعانيهِ اليوم في شرقِنا المعذَّبِ لم يكن بالحسبانِ وبالصورةِ التي نحن نحياها، فهي صورةٌ بائسةٌ لمستقبلٍ قاتمٍ ولأيامٍ مِلؤُها الغيومُ والعواصفُ، وهذا ما يجعلنا أنْ نقلقَ على مستقبَلِنا ومسيرةِ إيماننا، وكفانا أنْ نقول، وما نفعله هو عكسُ ذلك تماماً لأننا لا زلنا عرضةً للإضطهاداتِ والقتلِ والتهجيرِ شئنا أمْ أبينا، وانسلاخُ مسيحيِّينا عن أرضِ آبائِهِم وأجدادِهِم ما هو إلا كونهم ضحايا لقادةٍ ولكبار الدنيا ، ولمخططاتٍ مشبوهةٍ أرادها لنا كبارُ الدنيا والزمن وأصحابُ المعالي والقصور ليشوّهوا سلامَ مسيرَتِنا وصفاءَ إيمانِنا في حبِّنا لأرضِنا وإنجيلِنا وكنيستِنا، لأنَّ المسيحي قوَّتُه في أرضِهِ وفي مسيحِهِ الحيّ وإنجيلِهِ.
فبابا روما، البابا فرنسيس، يقول:”هناك خطرٌ أنْ يُلغَى الحضورُ المسيحي من تلك الأرضِ التي منها إنتشرَ في العالمِ نورُ الإنجيل. إنها الحقيقةُ في الصميم، فما يحصل يقودنا إلى أنْ نسألَ: هل هو تهميشٌ مُتَعَمَّدٌ لإنسانِنا المسيحي في العراق؟ هل هو تدميرٌ لتاريخِنا الحضاري الموغَل في القِدَم والسنينِ والأزمنة؟ هل هو محوٌ لديانةٍ من أقدمِ الدياناتِ التي نادت بالتوحيد؟ هل نحن في زمنٍ يُخْبِئ ُتحت عباءَتِهِ طائفيَّتَه وفسادَهُ، فيقيمُ صراعاتٍ دمويةٍ وعشائريةٍ وحتى إيمانيةٍ لتحقيقِ مآربهِ وإعلانِها؟… إنها ظُلُماتُ العنفِ!.
نعم، وإنْ كان قد تضاءلَ عَدَدُنا فهذا لا يعني ضياعنا ورحيلنا، بل على الإسلامِ أولاً حمايةَ البقيةِ الباقيةِ من أجلِ ضمانِ بقائِهِم وحقوقِهِم. فالعديد من الذين في الغربة يجدونَ ضالَّتَهم حيث كل إنسانٍ له قيمته وحقوقه، له كرامته وإنسانيته في حريةِ إيمانِهِ وممارستِهِ لعقيدتِهِ دون خوفٍ وعلانيةٍ، فلا يحكمه إلا قانون، وقانونُ الوطن والدولة فقط، الذي يحميه من جميعِ التعرضاتِ والمعاكساتِ، بل أكثر من ذلك “إنه خُلق على مثالِ خالِقِهِ” (تكوين27:1)، ويقول الكتابُ:”إنَّ اللهَ رأى كلَّ شيءٍ حَسَنٌ” (تكوين31:1). فنحن لسنا بحاجةٍ إلى عودةِ داعشٍ بِنسخٍ أخرى أو بصراعٍ طائفي، فقد أكَلَتْنا نارُ الحروبِ والصراعات، وأخاف أنْ يؤولَ البلادُ إلى الغرباءِ عاجلاً أم آجلاً وهذا ما نراه في زمننا بسبب كبريائنا وصراعاتنا بيننا قبل غيرنا، وعدم إتفاقنا ووحدتنا، وهنا لا فائدة من عيدِنا ولا من القيامة التي لم تعمل في نفوسِنا، لأنَّ إيمانَنا قد أصبح مصلحياً وكبريائياً كما هو الحال مع الفرّيسيين ورؤساء اليهود. ونجدُ أنفسَنا أننا إله الدنيا، فلا نعبد إلا أفكارَ إنسانِنا المتسلّط على رِقابِنا، فنختارُ مَنْ نشاء كي نُجلِسَهم على كراسي الحُكم والزمن، وكما قال الكاردينال بشارة الراعي في كلمته خلال برنامج “التنشئة المسيحية”: هم عبيدٌ لغيرِنا ولكنهم أسيادٌ علينا. وهنا يحضرُ السؤال: أينَ شوكتُكَ يا موت، وأينَ غَلَبَتُكِ يا هاوية؟ والحقيقة أن المسيح قام، فأين قيامتُنا إنْ كنا فعلاً نؤمن أنَّ الربَّ قد قام ونحن شهودٌ على ذلك. فمار بولس يقول في رسالته الى اهل أفسس 4:5″ رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، ” وهذه حقيقة يجب أن لا نخفيها بل أن نؤمن بها ونحياها ونؤمن بها ولا شيء اخر .
نعم، كفانا وعوداً، فنحن بحاجةٍ إلى تثبيتِ وجودِنا. أعملوا، ولا تقولوا بعدُ نحن غرباء عن وطنِنا وإيمانِنا، ولا تسيِّرونَنا حسب هواكم ورغائبكم ودنياكم وربما حسب أيمانكم. ولا تقولوا لنا “لا ترحلوا”، بل قولوا “هذا وطنُكُم. سنكتبُ دستورَنا معاً. أَعْلِنُوا فيه وجودَنا ووجودَكُم”. واعملوا معنا كي نحميَ تراثَ آبائِنا وأجدادِنا. لا تجعلوا مسيحيَّتَنا تمزِّقها الحروبُ والمصالح بسببكم يا كبار دنيانا وزمننا ،والتي لا ناقةَ لنا فيها ولا جمل، فَنَتِيْهُ في المجهولِ مثل نزوحِنا في زمنِ داعشِ الإرهاب. ولم نعد نحتَمِلَ ما حصلَ وما حلَّ بنا، وهذه حقيقتُنا.
فالزمن هو الحقيقة أنَّ المسيحَ حيٌّ، ولأن المسيح قد قام فلا تخافوا أنْ تقولوا الحقَّ فالمسيح الحي يقول:”قولوا الحقّ، والحقُّ يحرركم” (يوحنا32:

8)

، فالزمن هو زمن الشهادة والحقيقة وليس زمن التزوير والسرقات وظلم الأبرياء وحب المصالح وعبادة الذات والأنا كما نشاء وكما يطيب لنا ، وإذا ما قلنا الحق كما قال المسيح الحي علينا توحيد كلمتنا وهدف غايتنا ومع هذا سنبقى نبني الجسور بدل الحواجز، من أجل إتحاد أمين بيننا ثمّ مع غيرنا .
فقيامة الرب تجديد لإيماننا ولمسيحيتنا وليدرك كبار دنيانا وزمننا أن الإنسان أمانة وليس عبدا لذا علينا أن  نعملَ  من أجل خلاصه لذا علينا ان نختار طريق المحبة والخدمة والبشارة والسلام ليس حرباً أو حقداً أو كراهيةً .أو مصلحة أو أنانية .
وختاماً أقول: متى نقوم أو متى نجعل السماءَ تُقيمَنا من قبرِ الظلام والأنانية والكبرياء. فلنفكّر في رسالتِنا وإخلاصِنا لدعوتِنا ورسالتِنا، وبإمكانِنا بعد ذلك أنْ نقومَ، أولاً في أنفسِنا، وأن نعلن ذلك لأننا شهودٌ لقيامتِهِ… إنها قيامةُ الحقيقة.فمبروك لكم عيد القيامة. قوموا وأعلنوا حقيقةَ قيامتكم وحياتِكم ومسيرةَ إيمانكم وحبَّكم للوطن وللجميع… وكل عام وأنتم بخير…لذا يطيب لنا، لا بل واجبٌ علينا أنْ نقول “المسيح قام … حقاً قام”.

شاهد أيضاً

بين الماضي المجيد والحاضر المبهم (صباح بلندر)

كان في زمن أجدادنا أراضٍ تُزرع وبعضٌ من خيراتها تُوزّع على المساكين والفقراء، وكانوا أهل …