مر انهيار جسر الفلوجة الحديدي يوم 13 نيسان الحالي، وهو الذي خصصت مبالغ معتبرة لإعادة تأهيله، من دون اكتراث واهتمام.
ووقع حادث الانهيار قبل افتتاح الجسر رسميا بثلاثة أيام، الا انه قوبل بصمت غريب، وكأن الأمر لا يعني الدولة في شيء. كذلك لم يهتم أحد من المسؤولين لإصابة 3 عاملين في تأهيل الجسر، ولا نشير الى غرق أحدى آليات التبليط وسط نهر الفرات.
وقد فوّت سقوط الجسر على هؤلاء المسؤولين فرصة التبجح والانتشاء الكاذبين، وادعاء تحقيق شيء من الاعمار، وجنّب الجميع سماع الخطابات الرسمية الفارغة، ورؤية الصور المملة لإنجازات مشكوك فيها.
والحق ان محافظ الانبار شكل لجنة للتحقيق في أسباب سقوط الجسر، رغم ان التجربة علمتنا ان التسويف هو النتيجة المرتقبة لعمل أية لجنة تحقيقية، وان الذاكرة تنبؤنا باننا لم نسمع شيئا عن نتائج عشرات اللجان التي شُكلت للتحقيق في فضائح واخفاقات وسرقات كثيرة. وليس ممكنا ان ننسى إخفاء نتائج لجنة التحقيق في سقوط الموصل، وما اعقبه من سقوط محافظات اخرى على يد اكثر التنظيمات الإرهابية اجراما.
وحين تحاول ان تحدد ما هو مشترك بين سقوط جسر الفلوجة وسقوط ثلث مساحة العراق بيد الإرهاب، تكتشف عاجلا ان الفساد هو العامل المشترك الأساسي بينهما.
ويبدو ان ركائز الفساد من القوة بحيث لا تهتز امام أية فضيحة فشل. فلمؤسسة الفساد قدرة على تغطية كل جريمة نهب وتلاعب بالأموال العامة. فالفساد كمؤسسة متغوّلة في أجهزة الدولة، عصيّ على المحاسبة حتى وإن بلغ به الاستهتار حد سرقة ترليونات الدنانير، والدليل هو ان حرامية “سرقة القرن” ما زالوا طلقاء دون ادنى حساب.
مؤسف جدا غياب أصوات النخب التي تنازلت عن واجبها الأخلاقي في التصدي للفاسدين وفضحهم، وفيهم من ارتضى ان يكون برغيا في ماكنة اعلام طغمة الفساد، ملمّعا لصور رموز الفساد الذين احتل بعضهم مواقع تشريعية وتنفيذية.
ولكن لن تغيب عنا البوصلة، فالفساد يكمن وراء انهيار جسر الفلوجة، كما كان وراء الانهيارات السابقة. والمسؤول عن كل الانهيارات هم النهابون الذين شكلوا بما نهبوه من أموال عامة، طبقة اجتماعية مترفة، ربطت مصالحها مع مصالح بعض المتنفذين وتخادمت معهم، واستخدمت الإعلام لا لنشر الحقيقة بل لطمسها وإخفائها أو تزييفها أو التلاعب بها، ومع ذلك بقيت مواقف العديد المكافح من الناشطين الاجتماعيين تتصدى بشجاعة لما هو شائن. وقد كتب أحد الناشطين يقول: “لم يكن سقوطًا للجسر بقدر ما كان سقوطًا للوهم ولكذبة اسمها الأعمار”، فيما كتب اخر أن “كذبة الأعمار، طالما نسجت حولها دعايات زائفة جعلت من الأقزام عمالقة”. واضاف ثالث أن “وهم الأعمار وخداع الناس قد بات منكشفًا، ويجب محاسبة المقصرين، لأنه كاد أن يكون كارثة إنسانية تتسبب بسقوط العشرات من الضحايا”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الخميس 18/ 4/ 2024