اَن الاوان للتغيير في النهج والممارسة ونمط التفكير وطريقة إدارة البلاد

نبيل رومايا

تقوم الأحزاب الإسلامية الإطارية في مجلس النواب العراقي هذه الأيام بحملة مشوهة في محاولة لتغيير قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، من أجل تكريس الطائفية والتفرقة في المجتمع العراقي، وانتهاك حقوق المرأة والطفل، وتشجيع زواج القاصرين، وزيادة العنف الاسري، بالرغم من أن العراق هو أحد الموقعين على معاهدة سيداو، وهي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها 34/180 المؤرخ في 18 كانون الأول / ديسمبر 1979، وبدأت بتنفيذها في 3 أيلول / سبتمبر 1981 والتي نصت على ضمان مساواة الرجل والمرأة في حرية التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية.

وأثارت محاولة مجلس النواب العراقي إجراء تعديل على قانون الأحوال الشخصية، موجة ردود فعل غاضبة من قبل النواب ومنظمات المجتمع المدني والمدنيين واحزابهم وحذروا من تكريس الطائفية وسلطة الدين، ومنح أحزاب السلطة نفوذاً أكبر، وسط انتقاد منظمات حقوقية والخبراء القانونيين.

ويقضي التعديل في إحدى فقراته بمنح الزوج الأحقية في اختيار المذهب الذي يتم على أساسه عقد القران. وينص القانون المعمول به حاليا على أن للأم الحق بحضانة الولد وتربيته حال الزواج وبعد الفرقة، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، في حين أن التعديل، يسلب الأم حق حضانة الولد إذا تزوجت.

كما ينص القانون المعمول به حاليا، على أن يكون التفريق وفقا للقانون المدني، لكن التعديل يقضي أن يتم وفقا للفقه السني أو الشيعي حسب اختيار الزوجين، وفي حال لم يكن للزوجة مذهب فقهي، للاحتكام إليه، تعتمد المحكمة مذهب الزوج في التفريق بينهما، بما يتعلق بالحقوق.

ويتضمن التعديل أيضا، إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الطلاق والتفريق، وهو ما اعتبره الرافضون للقانون ترسيخاً للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وابتعاداً عن الدستور الذي نص على مدنية الدولة العراقية.

والتعديل يستند إلى التشريع الإسلامي بمذهبيه الشيعي الجعفري والسني بشكل عام دون تحديد أحد مذاهبه الأربعة، مما يثير مخاوف جدية بشأن تقييد الحريات الأساسية للمواطنين العراقيين.  بالرغم من أن المادة 41 من الدستور العراقي تنص: “العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم، أو مذاهبهم، أو معتقداتهم، أو اختياراتهم”.

أيضا فإن التعديل “يعني سن الزواج في تسع سنوات (زواج الأطفال) وحرمان النساء من الإرث في العقارات، والنفقة بشرط الاستمتاع، إذ أن الزوجة التي لا تمكن الزوج من الاستمتاع بها لا نفقة لها.

ويشمل التعديل قيوداً على الحرية الشخصية للأفراد في اختيار المذهب، حيث يفرض على الزوجين اختيار مذهب معين لتطبيقه في جميع مسائل الأحوال الشخصية، مما يعارض مبادئ الحرية الدينية والفكرية. وأيضا يكون تصديق عقود الزواج بيد من لديه تخويل شرعي أو قانوني من القضاء أو من ديواني الوقفين السني والشيعي، مما يعني تفضيل المؤسسات الدينية السنية والشيعية، وهذا قد يتعارض مع مبادئ العدالة والمساواة بين جميع المذاهب والأديان.

إن التعديل على قانون الأحوال الشخصية سيقسم العراق أكثر، وسيولد انفلاتاً كبيراً في القانون وستتحول قضايا الأحوال الشخصية إلى خارج المحاكم الرسمية، مما يؤدي الى تفكيك الأسرة العراقية والسماح للعقود خارج الأطر القانونية وإعطاء الشرعية لزواج القاصرات، وبالتالي دعم زيادة حالات الطلاق وتعميق النفس الطائفي بين أفراد المجتمع. مما يتعارض مع (المادة 14) من الدستور، التي تكفل مساواة العراقيين أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس، أو العرق، أو القومية، أو الأصل، أو اللون، أو الدين، أو المذهب، أو المعتقد، أو الرأي، أو الوضع الاقتصادي، أو الاجتماعي.

أن التعديل المقترح يقسم العراقيين وفقاً للمذهب، بما يكرس النزعة الطائفية المقيتة، التي ألحقت أضراراً كبيرة بالمجتمع العراقي، وكرست الحروب والانقسامات التي مزقت النسيج الاجتماعي العراقي. والتي ستؤدي الى زيادة حالات الطلاق والعنف الأسري دون وجود حلول ومعالجات واقعية لهذه المشاكل.

إن التعديلات المقترحة ستُخضع البنية المدنية الحديثة للأسرة العراقية للاجتهادات الفقهية، مما يهدد حضانة الأم والأسر الناتجة عن زواج أبناء طائفتين مختلفتين، ويحد من قدرة قانون الدولة على حماية حقوق وحريات مواطنيها، ويضعف مفهوم الوطنية لصالح الجماعة والفئة.

وأصدرت مجموعة من ممثلات الحركة النسوية ومن منظمات المجتمع المدني وممثلي عدد من القوى السياسية والأحزاب المدنية والديمقراطية وشخصيات قانونية وأكاديمية واجتماعية والدينية والبرلمانية بيان “تحالف 188 للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية النافذ” جاء فيه:

“نعلن رفضنا القاطع لإدراج تعديل قانون الأحوال الشخصية في جدول أعمال جلسات مجلس النواب، وذلك لما يمثل هذا التعديل المقترح من انتهاك سافر للدستور والحقوق والحريات الواردة فيه، وكذلك كونه يمثل تراجعاً عن الحقوق القانونية والشخصية التي اكتسبتها المرأة العراقية طيلة المدة الماضية، فضلاً عن أنه سيؤدي الى انقسام مجتمعي (طائفي ومذهبي) بما يكرس النزعة المقيتة التي ألحقت أضراراً جسيمة بالمجتمع العراقي، وأشعلت الحروب والانقسامات التي ما زلنا نعاني من آثارها لغاية يومنا هذا”.

لقد أن الاوان للتغيير في النهج والممارسة ونمط التفكير وطريقة إدارة البلاد، لصالح مشروع وطني مدني ديمقراطي، عبر تحالف وطني شعبي واسع عابر للانتماءات الطائفية والاثنية والأحزاب المتنفذة الإسلامية، يأتي بحكومة تنفذ مطالب الناس في الحرية والمساواة والتطور بعيدا عن القمع والتمييز والطائفية والتفرقة والاقصاء، وتعطي المرأة العراقية واطفالها حقوقهم الشخصية الكاملةً، وتنهي العادات المهينة مثل زواج القاصرات والفصلية وجرائم (غسل العار) التي تفرضها الأعراف والعادات العشائرية التي تنتهك انسانية النساء والاطفال، وتضع حلا للعنف الاسري من خلال قوانين منصفة وعادلة.

2 اَب 2024

شاهد أيضاً

الأمية وانعكاساتها السلبية على السلوك الاجتماعي

(الأمية) ظاهرة من ظواهر التخلف الاجتماعي؛ ومشكلة انتشارها في أي مجتمع تعتبر مشكلة مزمنة وشائكة …